• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

ملخص بحث: "الاستثناء من القواعد الفقهية عند السادة المالكية" من خلال كتاب البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبدالسلام التسولي (1258 هـ)

ملخص بحث: الاستثناء من القواعد الفقهية عند السادة المالكية من خلال كتاب البهجة في شرح التحفة لأبي ال
المصطفى بو غاز

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/11/2021 ميلادي - 26/3/1443 هجري

الزيارات: 10760

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ملخص بحث:

"الاستثناء من القواعد الفقهية عند السادة المالكية"

من خلال كتاب البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبدالسلام التسولي

(المتوفى 1258هـ)

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شُرُور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، مَن يَهْدِه الله فلا مضل له، ومَن يُضلل الله فلا هادِي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فهذا ملخص لبحث قمت بإنجازه بتوفيق من الله وفضل منه، بعنوان: "الاستثناء من القواعد الفقهية عند السادة المالكية"، من خلال كتاب البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبدالسلام التسولي (1258 هـ)، أوردت فيه ما يجاوز عشرين قاعدة مع مستثنياتها، وإن كان هذا الكتاب منطويًا في ثناياه على الفرائد والفوائد في القواعد ومستثنياتها، فحسبي ما ذكرت، فهذا ما أبلغتني إليه سَعَةُ الوقت، سائلًا المولى عز وجل القبول في العمل.

 

وأعرض فيما يلي أهم ما توصلت إليه في هذا البحث:

بدأته بالحديث عن مفهوم القاعدة الفقهية، فتقرر من خلاله أن القاعدة في اللغة لها تحديدات عدة؛ مدارها حول: الأصل والأساس، وفي الاصطلاح: اختلف الفقهاء في تعريفها من حيث شموليتها على فروعها، بين من يقول أنها كلية تنطبق على جميع جزئياتها، وبين من يقول أنها أغلبية تنطبق على أكثر جزئياتها، وأوردت فيه أكثر من تسعة تعريفات بين المتقدمين والمعاصرين، وذكرت أن أقرب هذه التعاريف وأشبهها بالقاعدة الفقهية هو تعريف الفقيه المالكي، الإمام أبي عبدالله المقري؛ حيث قال: "كل كلي هو أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من القواعد وجملة الضوابط الفقهية الخاصة".

 

ثم تكلمت عن أهميتها والمؤلفات فيها في المذهب المالكي، فعن أهميتها أوردت أقوال العلماء فيها؛ فمن ذلك: ما ذكره الإمام شهاب الدين القرافي في فروقه: "وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف ويظهر رونق الفقه، ويعرف وتتضح مناهج الفتاوى وتُكشف، فيها تنافس العلماء وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق مَن فيها برع، ومَن جعل يُخرِج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقضِ نفسه من طلب مناها، ومَن ضبط الفقه بقواعده، استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد، وتقارب وحصل طِلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لِما أشرق فيه من البيان، فبين المقامين شأوٌ بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد".

 

ومن تلك الأقوال خلصت إلى أن أهمية القواعد تتقرر فيما يلي:

• جمع الجزئيات والفروع في أصول كلية، فيستطيع الفقيه بذلك مراعاة كل جزئية على حِدَةٍ، لاندراجها تحت القاعدة.

 

• فهم مقاصد الشريعة، فمعرفة المشترك بين الفروع يشكل تصورًا واضحًا عن مقصد الشريعة من خلال أحكام تلك الفروع، وهذا ما يساعد الفقيه في ربط الفروع بمقاصدها الشرعية، لا سيما في الفتوى في النوازل والمستجدات.

 

• تتبع الفروع، واستحضار كل جزئية في مسألتها يستلزم الجهد الجهيد، والوقت الكثير، وأما إرجاع الفروع إلى القاعدة التي تندرج تحتها يُسهِّل الطريق ويختصره.

 

• تكوين الملكة الفقهية للفقيه، بالمداومة والاستمرار عليها.

 

وعن المؤلفات فيها ذكرتُ أشهرَ ما عُرف منها في المذهب، مع التعريف بكل كتاب وبمؤلِّفه؛ فجاءت كالآتي:

• كتاب "أصول الفتيا في الفقه على مذهب الإمام مالك" للخشني (361هـ).

• كتاب "الفروق" للإمام القرافي (684هـ).

• كتاب "القــواعـــد" للمقري (758هـ).

• كتاب "المنهج المنتخب إلى أصول عُزيت للمذهب" للزقاق (912هـ).

• كتاب: "إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام أبي عبدالله مالك" لأحمد بن يحيى الونشريسي (ت: 914هـ).

 

فجاء ذلك كله فصلًا أولًا للبحث، وخصصت الفصل الثاني منه للحديث عن الاستثناء.

 

فبدأته كالعادة بتعريف الاستثناء، فتبين من خلال ما أوردته أن معناه في اللغة: مأخوذ من الثني، وهو يطلق على معنيين: العطف، والصرف، فمن العطف قول فلان: ثنيتُ الحبل؛ أي: عطفت بعضه على بعض، ومن الصرف، يُقال: ثنيتُه عن فعله؛ أي: صرفته عنه.

 

وأما معناه في الاصطلاح: فقد أوردت فيه اثني عشر تعريفًا للعلماء، وإن اختلفت تلك التعاريف من حيث الألفاظ، إلا أنها تتفق في مجملها على أنه: "إخراجٌ عن أفراد الكلام العام بصيغ محصورة، تدل على عدم دخوله في الكلام الأول"، والله أعلم.

 

غير أن هذا التعريف تناول الاستثناء في مفهومه العام - كغيره من التعاريف - دون ربطه بالقواعد الفقهية، ولعل أقرب تعريف للاستثناء من القواعد - فيما أعلم - هو تعريف د. عبدالرحمن الشعلان؛ حيث قال: "الاستثناء من القواعد: هو إخراج مسألة فقهية يظهر دخولها في القاعدة من حكم القاعدة بأي عبارة تدل على ذلك".

 

ثم انتقلت بعد ذلك للحديث عن أهمية معرفة الاستثناء في القواعد الفقهية، وعن أسبابه، فتقرر من خلاله أن تلك الأهمية تتجلى في:

• تقريب الفقه، من خلال حصر مستثنيات القاعدة.

 

• الاستثناء في حد ذاته يدل عن وجود مستثنى منه، وهي القاعدة أو الأصل، فمعرفة الاستثناء يقتضي معرفة القاعدة.

 

• تصور المسألة الفقهية متوقف على معرفة أصلها الذي استُثنيت منه؛ إذ الاجتهاد في مسألة يقتضي تصور الأمر والواقعة، وهذا من شروط الاجتهاد.

 

• معرفة الروابط التي تجمع القاعدة بفروعها، وما ينفصل عنها بانحلال تلك الروابط، فسُمِّى مستثنى منها.

 

• جمع المستثنيات من القواعد يكفي الطالب عناء البحث في القاعدة، وما خرج منها، فذِكْرُ القاعدة مع مستثنياتها هو أوعى للحفظ، وأدعى للضبط.

 

• ضبط المسائل المستثنيات يجنِّب الطالب الخلط بين الأمور المتشابهة دخولًا في القاعدة، فقد يبدو الشبه بين المستثنى والمستثنى منه في الظاهر، إلا أنه في حقيقة الأمر خرج عنه بدليل خاص، وإن دلَّ هذا على شيء، إنما يدل على دقة هذا العلم؛ لذا وجب مراعاته عند تطبيق القاعدة.

 

• إذا كان فضل القواعد على الفقه هو جمع المسائل المشتركة في أصول كلية، فَعِلْمُ الاستثناء فضله على القواعد هو أنه فيه مزيد ضبط للقاعدة بحصر فروعها، وإخراج مستثنياتها.

 

• إخراج مسألة أو فرع عن أصل أو قاعدة كلية ينشأ عنه تأصيل قاعدة جديدة يرجع لها الفرع المستثنى، وذلك يُستفاد منه استنباط واستخراج قاعدتين.

 

• معرفة المقاصد الشرعية من خلال ربط القاعدة بفروعها من جهة، ومعرفة المقصد الشرعي الذي يكون سببًا في إخراج بعض الفروع من القاعدة من جهة أخرى، كمراعاة اختلاف أحوال الناس أو تحقيق مصلحة شرعية.

 

ثم بعد الأهمية أشرت إلى بعض أسباب الاستثنا،. فقلت: إن العلماء يذكرون أن الاستثناء من القاعدة إنما يكون مردُّه إلى سببٍ أخرج الفرع عن القاعدة، فهذا السبب إما أن يكون نصًّا شرعيًّا، أو إجماعًا أو قياسًا، ومثَّلت لكل سبب من تلك الأسباب.

 

وبعد ذكر الأسباب، انتقلت مباشرة للكلام عن المستثنيات من القواعد الفقهية من خلال نماذج مختارة من كتاب "البهجة"، فصدَّرت الكلام بترجمة موجزة للأمام أبي الحسن التسولي، ونُبذة عن كتابه البهجة، لأخوض بعد ذلك في عرض القواعد المنثورة فيه وشرحها، وذكر بعض تطبيقاتها منه، ثم بيان المستثنيات منها المنثورة أيضًا فيه؛ لأقف على بضع وعشرين قاعدة مع مستثنياتها؛ وذلك لضيق الوقت وطول الكتاب نسبيًّا؛ ومن هذه المستثنيات أذكر ما يلي:

القاعدة الأولى: حكم الحاكم يرفع الخلاف[1]:

ومنه حكم الحاكم... جعله الله تعالى نصًّا خاصًّا واردًا من قِبَلِهِ؛ رفعًا للخصومات، وقطعًا للمشاجرة[2].

 

شرح القاعدة:

الحاكم إذا قضى في مسألة فيها خلاف بين العلماء باجتهاده فيما لا ينقض حكمه فيه؛ فإن ما حكم به يكون رافعًا لذلك الخلاف، ويكون بمثابة النص الخاص مقابل النص العام، وإذا حكم الحاكم المقلِّد بالراجح أو المشهور في المذهب، أو الذي جرى به العمل، فحكمه يرفع الخلاف، إذا لم يكن بذلك مخالفًا لنص صريح من كتاب أو سُنة، فينقض حكمه.

 

قال القرافي: "اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم، وتتغير فُتْياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء"[3].

 

وجاء عن ابن العربي: "إذا قضى القاضي بقضية جائز أن يرجع عنها، وأما ردُّ غيره لحكمه فلا يجوز إلا أن يكون جورًا بينًا أو بخلاف شاذ"[4].

 

ومثال ذلك: إذا قضى المالكي مثلًا بلزوم الطلاق في التي عُلِّق طلاقها على نكاحها، فقضاؤه إنشاء نصٍّ خاص وارد من قِبله سبحانه في خصوص هذه المرأة المعينة، فليس للشافعي أن يُفتيَ فيها بعدم لزوم الطلاق استنادًا لدليله العام[5].

 

وبذلك فإن حكم القاضي يرفع الخلاف، ولا يُنقض إلا في أربعة مواضع: إذا خالف الإجماع، أو القواعد، أو القياس الجليَّ، أو النص الصريح[6].

 

وقد نظمها بعضهم فقال[7]:

إذا قضى حاكم يومًا بأربعة
فالحكم منتقض بعد إبرامِ
خلاف نصٍّ وإجماع وقاعدة
ثم قياس جلي ترك إبهامِ

 

الاستثناء من القاعدة:

ومما يمكن أن يكون استثناءً لقاعدة رفع الخلاف بحكم الحاكم أن يقول الحاكم في مسألة مختلَف فيها أنه لا يجيز هذا الأمر؛ كقوله مثلً: في النكاح بغير الولي: أنا لا أجيزه، فإن الخلاف يبقى على أصله، ولغيره أن يحكم بخلافه، لأن قوله هذا ليس حكمًا.

 

ففي البهجة: "قال ابن الماجشون: ليس بحكم، فإن قال عند رفعها إليه: أنا لا أجيز النكاح بغير وليٍّ، من غير أن يحكم بفسخه، ففتوى فقط؛ قاله ابن شاس وتبِعه غيره"[8].

 

فلم يعتد ابن الماجشون بقول الحاكم بدون إقرار بالفسخ، فكان ذلك من مستثنيات القاعدة، وإن كان غيره يرى أن قوله هذا حكم يرفع الخلاف[9].

 

القاعدة الثانية: العرف مُحكَّم[10]:

ومنه أيضًا أن العرف كالشرط[11].

 

شرح القاعدة:

هذه القاعدة متفرعة عن القاعدة الكبرى "العادة مُحكَّمة"[12]، وهي أن عادات الناس وأعرافهم تكون معتبرة في الأحكام ما لم تخالف الشرع، ولا بد من مراعاتها، وإنما ذلك لرفع الحرج عن العباد، الذي هو مقصود الشرع من التكليف تيسيرًا للعبادات؛ لذا جُعل العرف محكَّمًا عند الاختلاف في مسألة لم يرد نص بشأنها، والأدلة في ذلك كثيرة؛ قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ [الأعراف: 199]، وقوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة: ((خذي ما يكفيكِ وولدكِ بالمعروف))[13].

 

فهذه القاعدة عظيمة في الشرع، لا تزال تختلف باختلاف الأقطار والأمصار، فهي ما ألِفته النفوس واطمأنت إليه؛ قال ابن القيم في شأنها: "هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه... فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد..."[14] ، ونبَّه الإمام القرافي في فروقه إلى وجوب اعتبار العرف، لا سيما في الفتوى، فلا يجوز للمفتي أن يفتيَ في بلد إلا إذا كان عالِمًا بعُرفِ أهلها؛ لِما يختلف فيه الناس من العرف والعادة.

 

وقال ابن نجيم: "واعلم أن اعتبار العادة والعرف يُرجَع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلًا"[15].

 

كما أن اعتبار العادة والعرف هو من أصول مذهب مالك، ومنه جاء أصلُ عملِ أهل المدينة؛ فهو مبنيٌّ على العادة المتَّبَعة في المدينة على عهد الصحابة والتابعين.

 

فحَمْلُ الناس على أعرافهم ومقاصدهم فيما لم يخالف فيه الشرع واجب، والحكم عليهم بخلاف ذلك من الزَّيغ والجَور، ومن أمثلة مراعاة العرف الإفتاء به؛ كما جاء في البهجة: "أنه لما سُئل الإمام قاضي القضاة سيدي عيسى السجستاني حسبما في نوازله عن بيع الثنيا في هذا الزمان: هل تفوت بأنواع التفويت لأنها بيع فاسد، وكيف إذا جُهل قصد المفوت؟ فقال: الذي أفتي به في بياعات نواحي سوس وجبال درن أنها رهون؛ لأنهم يعتقدون أنها على ملك بائعها، ويطلبون فيها زيادة الأثمان والمبيع بيد مشتريه، وإذا كان هكذا، فلا يفوت بشيء، بل هي على ملك الأول، إلا أن يرضى بإمضاء البيع فيها والسلام"[16].

 

وأضاف التسولي إلى ذلك قياسًا عليه: "ولا يخفى أنها في نواحي فاس وجبالها كذلك، ولا يشكُّ منصف فيه، والله أعلم"[17]، ومنه أيضًا في حكم الغلة في بيع الثنيا، إذا كان عند أهل البلد رهينة ثم تحايلوا بالبيع، "فقد جاء في نوازل الزياتي أيضًا ما نص الغرض منه: سُئل بعض الفقهاء عن الغلة في بيع الثنيا، وكيف الحكم إن كان عرف البلد الرهنية، إلا أنهما تحيلا بكتب البيع مخافة الغلة؟ فأجاب: في المسألة قولان: قيل: الغلة للمشتري، وقيل: للبائع، وأما إن كان عرف البلد أنهم يعتقدون الثنيا في بيوتهم، ويتحرفون بكتب البيع مخافة الغلة، فإن الغلة لازمة للمشتري قولًا واحدًا، مع يمين الراهن أنه كان رهنًا في نفس الأمر، وبهذا صدرت الفتوى من أهلها"[18].

 

وغيرها من الصور التي راعى فيها الفقهاء العرف في إفتاء الناس في معاملاتهم، وتعاملاتهم لاختلاف أحوالهم؛ فعُمْدَتُهم في ذلك قوله تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾ [الأعراف: 199].

 

الاستثناء من القاعدة:

القاعدة وإن اعتُبرت عامة منطبقة على فروعها، فقد يُستثنى منها صور؛ فمن ذلك: ما جرى به العرف في التنازع في متاع البيت بين الزوجين: أن للمرأة ما هو خاص بالنساء، لكن يُستثنى من ذلك إذا كان ما للنساء في حوزة الرجل الأخص، أو كانت المرأة معروفة بالفقر، فلا شيء لها من المتاع، ولها قدر الصداق فقط.

 

ففي البهجة: "أن محل كون القول للمرأة فيما شأنه للنساء ما لم يكن ذلك في حوز الرجل الأخص، وما لم تكن معروفة بالفقر، وإلا فلا يُقبل قولها في أزيد من قدر صداقها؛ قاله ابن فرحون"[19].

 

لذلك وجب مراعاة هذا الاستثناء في تنزيل قاعدة العرف، فعدم اعتباره يوقع الفقيه في الحرج، بالقضاء للزوجة ما ليس لها من متاع البيت، وهذا في حق الزوج ظلم.

 

القاعدة الثالثة: البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر[20]:

ووردت أيضًا بلفظ: البينة على المدعي، واليمين على المدَّعَى عليه[21].

 

شرح القاعدة:

هذه القاعدة عظيمة جليلة، أصلها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((البينة على من ادعى، واليمين على المدعى عليه))[22].

 

وفي البهجة[23]: "ذكره ابن عبدالبر عن عمر بن شعبة عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البينة على المدعي، واليمين على من أنكر)).

 

وهو أن القاضي أو الحاكم إذا تحاكم عنده شخصان، وجب عليه ابتداء أن يميز المدعي من المدعى عليه؛ لما يتوقف عليه ذلك من مطالبة المدعي بالبينة، ومطالبة المدعى عليه باليمين حالة الإنكار، ومنه إذا ادعى شخص الاعتداء عليه من طرف شخص آخر، فإن الأول يُطالَب ببينة تصدِّق دعواه، والآخر إذا أنكر يُطالب باليمين على عدم الاعتداء، والبينة تشمل الشاهدين والأربعة، والشاهد مع اليمين والمرأتين[24].

 

وعلى المدَّعِي عمومًا صالِحًا كان أو طالِحًا، ادعى على صالح أو طالح البينةُ؛ لقول القرافي وغيره: "أجمعت الأمة على أن الصالح التقي مثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لو ادعى على أفسق الناس درهمًا واحدًا لا يُصدَّق فيه، وعليه البينة"[25]، والمدعى عليه شأنه في ذلك شأن المدعي في العموم، وقد بيَّن ابن المسيب كلًّا من المدعي والمدعى عليه: "كل من قال قد كان فهو مدَّعٍ، وكل من قال لم يكن فهو مدَّعًى عليه"[26]، كما يُطالب المدعى عليه باليمين إذا عجز المدعي عن البينة؛ كما في التحفة[27]:

والمُدَّعِي مُطالَبٌ بِالبَيِّنَهْ
وَحالةُ العُمومِ فيهِ بَيِّنَهْ
والمُدَّعى عليهِ باليمينِ
في عَجْزِ مُدَّعٍ عَنِ التَّبيينِ

 

وأيضًا يلزمه اليمين، في حال كون الدعوى في المال أو ما يؤول إليه، وإلا فكل دعوى لا تثبت إلا بعِدلَين، فلا يمين بمجردها[28].

 

ومن أمثلة القاعدة: دعوى المرأة على زوجها الحاضر أنه لم ينفق عليها، وقال هو: أنفقتُ، وبدعوى المرأة المسيس على زوجها في خلوة الاهتداء، وادعى هو عدمه، فهو مدعى عليه في الأولى لشهادة العرف له، وهي مدعية، وهما في الثانية على العكس[29].

 

الاستثناء من القاعدة:

وردت استثناءات من القاعدة في البهجة[30]، نقلًا عن القرافي قوله:

خُولفت قاعدة الدعاوى في خمس:

• في لعان الزوج في الحمل والولد، فقُبل قوله؛ لأن العادة أن ينفي الزوج عن زوجه الفواحش؛ فحيث رماها بها مع إيمانه، قدَّمه الشرع.

 

• وفي القسامة، فقُبل فيها قول القتيل لترجيحه باللوث.

 

• وفي دعوى الأمناء التلف، فقُبل قولهم لئلا يزهد الناس في قبول الأمانات؛ فتفوت مصالحها، والأمين قد يكون من جهة مستحِقِّ الأمانة، وقد يكون من جهة الشرع كالوصي والملتقط ومن ألقت الريح ثوبًا في بيته.

 

• وفي التعديل والتجريح قُبل فيهما قول الحاكم؛ لئلا تفوت المصالح المرتبة على الولاية.

 

• وفي دعوى الغاصب التلف، قُبل قوله؛ لئلا يخلد في السجن.

 

ويمكن أن نجمل ما ساقه القرافي رحمه الله تعالى من المستثنيات من القاعدة، في أسباب الاستثناء:

فالاستثناء في قبول قول الزوج بلا بينة، في دعوى اللعان، سببه هو أن الأصل في الزوج عدم الرضا بالفاحشة لأهله، فلما ادعاه، قُبل قوله، والاستثناء في قبول قول القتيل في مسألة القسامة، فلا يُطالب بالبينة، لترجيحه باللوث، وفي دعوى الأمناء من جهة الشرع إذا ادَّعوا التلف يُقبل قولهم بدون بينة استثناءً؛ وذلك حفاظا على مصالح الناس، والاستثناء في قبول قول الحاكم في تعديل شخص أو تجريحه، فمردُّه لعدم تفويت المصالح المترتبة على الولاية؛ لأن رد قول الحاكم طعن في الولاية، أما الاستثناء في قبول قول الغاصب بدون بينة، إذا اعترف بالتلف، فذلك لئلا يخلد السجن؛ لأن ردَّ قولِهِ تخليد له في السجن.

 

وبعد أن ذكرها المكناسي في مجالسه قال: "ومنها اللصوص إذا قدموا بمتاع وادعى شخص أنه له، وأنهم نزعوه منه، فيُقبل قوله مع يمينه ويأخذه، ومنها السمسار إذا ادعي عليه أنه غيب ما أعطى له للبيع، وكان معلومًا بالعداء وبإنكار الناس، فيُصدَّق المدعي بيمينه ويُغرم السمسار، ومنها السارق إذا سرق متاع رجل، وانتهب ماله، وأراد قتله، وقال المسروق: أنا أعرفه، فيُصدَّق المسروق بيمينه[31].

 

ثم عقب عليه التسولي بعد أن ذكر كلامه: "وهذه المسائل التي زادها لا تحملها الأصول كما لأبي الحسن"[32].

 

فأسأل الله أن أكون بذلك قد سرجتُ الجواد لراكبه، ومهدت الطريق لسالكه، للأخذ بهذا العلم، والجمع والتأصيل فيه فأُولِي هذا الأمر لمن حباه الله بعلم نافع وفضل واسع؛ لأن ذلك يحتاج إلى عالم فتَّاح ذي علم وضَّاح، لجمع المستثنيات من القواعد في الفقه الإسلامي عمومًا، والفقه المالكي خصوصًا.

 

هذا، وصلى الله وسلم على نبيينا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.



[1] البهجة: 1/ 134.

[2] البهجة: 1/ 33.

[3] الفروق:1/ 179.

[4] التاج والإكليل: 8/ 141.

[5] البهجة: 1/ 32.

[6] المنجور، شرح المنهج المتنخب: 147.

[7] الأصل الجامع: 3/ 103.

[8] البهجة: 1/ 33.

[9] المصدر نفسه: 1/ 33.

[11] البهجة: 1/ 218.

[12] من قواعد الفقه أن العرف كالشرط، وأن العادة محكمة، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 4.

[13] صحيح البخاري: رقم الحديث: 5049.

[14] إعلام الموقعين عن رب العالمين: 3/ 2.

[15] ابن نجيم، الأشباه والنظائر: ص: 93.

[16] البهجة: 2/ 101.

[17] المصدر نفسه: 2/ 101.

[18] البهجة: 2/ 101 - 102.

[19] البهجة: 1/ 477.

[20] البهجة: 1/ 54.

[21] البهجة: 1/ 45.

[22] سنن الترمذي: رقم الحديث: 1341.

[23] البهجة: 1/ 54.

[24] البهجة: 1/ 54.

[25] المصدر نفسه: 1/ 54.

[26] البهجة: 1/ 47.

[27] تحفة الحكام: 18.

[28] البهجة: 1/ 54.

[29] البهجة: 1/ 47.

[30] البهجة: 1/ 49.

[31] البهجة: 1/ 50.

[32] المصدر نفسه: 1/ 50.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تقديم لكتاب: القواعد الفقهية المحمودة
  • كلمة عن القواعد الفقهية للشيخ مفتي محمد ظفير الدين
  • تداخل القواعد الفقهية في القواعد الأصولية
  • نشأة القواعد الفقهية وتدوينها
  • هل يجوز استنباط الحكم من القواعد الفقهية؟
  • شرح بعض القواعد الفقهية
  • التوضيح في شرح التنقيح لحلولو المالكي
  • مشكلة التسول والحلول المناسبة لها

مختارات من الشبكة

  • الجوهرة النقية في القواعد الفقهية ويليها: الأرجوزة السنية في القواعد الفقهية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الفروق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص مسيرة علم القواعد الفقهية (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • ملخص القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القواعد الأصولية في كتاب الرسالة للإمام الشافعي مع بعض القواعد الفقهية وغيرها (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أهمية علم الفروق الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القواعد الأصولية: تعريفها، الفرق بينها وبين القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بداية التأليف في القواعد الفقهية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ملخص كتاب: الأحكام الفقهية للتجارة الإلكترونية والتشريعات المنظمة لها: دراسة فقهية قانونية مقارنة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب